بنيات جهة-طنجة-تطوان-الحسيمة الثقافية رافد للتنمية المستدامة ومشتل لتنشئة الأجيال

مشاريع ثقافية كثيرة ومتميزة أنشئت على مستوى جهة طنجة-تطوان-الحسيمة خلال الأشهر الماضية، إذ تعد رافدا أساسيا لدعم التنمية المستدامة، ومشتلا لتنشئة الأجيال الصاعدة وإبراز المواهب، عدا عن دورها الرئيس في التنشيط الثقافي.

فهذه المنشآت الثقافية، التي تهم مجالات إبداعية متعددة، هي إضافة نوعية لتعزيز الدينامية الثقافية بالجهة، وخلق متنفس حقيقي للساكنة، مع توسيع نطاق الأنشطة الثقافية والمسرحية والفنية، وإعادة الاعتبار للموروث الثقافي الغني للجهة الشمالية من المملكة، مع تكريس العدالة الترابية والمجالية.

ومن أجل تطوير وتنويع العرض الثقافي على مستوى الجهة خلال الفترة من 2024 و 2027، تم تخصيص اعتمادات مالية إجمالية تصل إلى 195,5 مليون درهم ضمن برنامج التنمية الجهوية. تتوزع هذه المشاريع على أربعة محاور، تتمثل أولا في برنامج تطوير المهرجانات الثقافية والترفيهية والتنشيط الثقافي والفني وترميم التراث وتأهيله والتعريف به، ودعم وإنشاء البنيات التحتية الثقافية، وتعزيز الهوية الثقافية والترويج لها، وتحسين العرض الثقافي الجهوي من خلال تجويد تدبير المواقع الأثرية عن طريق إحداث مؤسسة جهوية مختصة.

وتتضمن المشاريع المعنية تأهيل مجموعة من المعالم الأثرية بمرتيل وموقع ليكسوس وساحة معركة وادي المخازن وقلاع القصر الصغير وشفشاون وطنجة وبعض المآثر التاريخية بوزان، مع تأهيل وتجهيز وبناء مراكز ثقافية ببني بوعياش والقصر الكبير والفحص أنجرة وشفشاون.

ولعل من أبرز المنشآت الثقافية المرجعية التي رأت النور خلال سنة 2024 قصر الثقافة والفنون بطنجة، الذي افتتح في مارس من السنة الجارية، وهو تحفة معمارية فنية بها قاعة كبرى للعروض تتسع لـ 1400 شخص، وصالتين تتسعان لـ200 شخص، إضافة إلى استوديو التسجيلات، وقاعة للورشات، وصالتين متعددتي التخصصات، وعدد من المرافق الأخرى المهمة.

وتبرز أهمية هذه المعلمة الثقافية، التي جاء إحداثها وفق معايير هندسية بديعة، في كونها احتضنت فعاليات في غاية الأهمية، من ضمنها اليوم الدولي لموسيقى الجاز المنظم من طرف اليونسكو ومعهد هيربي هانكوك لموسيقى الجاز والمهرجان الوطني للفيلم، إلى جانب فعاليات أخرى كالنسخة الثانية للمناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.

كما تعززت البنيات التحتية الثقافية بمدينة طنجة بداية السنة الجارية بافتتاح المركز الثقافي لحي بني مكادة، المقاطعة الأكثر كثافة من حيث عدد السكان على المستوى الوطني. وهو صرح ثقافي مميز ينضاف إلى قائمة الإنجازات الثقافية البارزة التي تتمتع بها مدينة البوغاز، حيث يروم أساسا إلى الارتقاء بالفعل الثقافي على مستوى حي بني مكادة، الذي شكل مشتلا لعدد من القامات الأدبية والفنية الوطنية.

وما يميز هذا المركز الثقافي أنه يضم معهدا للموسيقى والفن الكوريغرافي وقاعة لتعلم الرقص ومكتبة خاصة بالأطفال وأخرى للراشدين ورواق عروض وقاعة متعددة الوسائط، غايتها الأساسية توسيع العرض الثقافي للساكنة وتربية النشء على حب الوطن وعلى قيم التسامح والتعايش والمساواة.

كما نالت مدينة وزان الاهتمام في دعم البنيات الثقافية النموذجية بإنشاء المركز الثقافي كنافذة جديدة لتسليط الضوء على التراث الروحي والفني الأصيل واحتضان الطاقات الخلاقة لأبناء المنطقة وتأهيل المواهب الصاعدة، إضافة الى دعم مكانة منطقة وزان الزاخرة بالتراث الروحي العريق والتقاليد المغربية الضاربة في عمق التاريخ، ومن ضمنها ما يتعلق بالإنشاد الصوفي والموسيقى الروحية.

كمشروع فريد يروم إبراز فن الطبخ المغربي المتوسطي، شهدت مدينة شفشاون السنة الجارية افتتاح “دار حمية البحر الأبيض المتوسط”، والتي تسعى إلى إبراز خصائص ومكونات الثقافة الغذائية المتوسطية، وذلك لتنزيل قرار منظمة اليونسكو القاضي بإدراج هذه الحمية ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي اللامادي، وتسجيل مدينة شفشاون في شبكة لاحتضان وتطوير ثقافة التغذية المتوسطية.

وتتكون دار حمية البحر الأبيض المتوسط، التي تعتبر متحفا يقع في الحي الكولونيالي الذي بني في ثلاثينات من القرن الماضي، من عدة فضاءات تعرض فيها قطع فنية متنوعة وصور وفيديوهات، بالإضافة الى تمثيل مسرحي، وقاعة غامرة بزاوية 360 درجة وفضاء لبيع المنتوجات المجالية.

ومثل باقي عمالات وأقاليم الجهة، شهد إقليم الحسيمة إنجاز العديد من المشاريع والمنشآت الثقافية المتميزة في إطار إغناء البنيات الثقافية النموذجية ومواكبة أهداف التنمية البشرية، وفي إطار هذه الأبعاد يتم إنشاء المسرح الكبير لمدينة الحسيمة، والمعهد الموسيقي للمدينة وإنشاء المركز الثقافي لمدينة إمزورن، بالإضافة إلى تأهيل وتثمين عدد من المواقع والمآثر التاريخية بالإقليم.

ومن شأن هذه المشاريع تعزيز الدينامية الثقافية للإقليم، وتمكين أبنائه وبناته من فضاءات متميزة لصقل مواهبهم وإبراز طاقاتهم الإبداعية في شتى المجالات الفنية والتعبيرية، والنهوض بالممارسة الفنية بمقاييس احترافية وتنمية مواهب الشباب وصقلها وفق القواعد العلمية وتكريس مكانة وحضور الحسيمة في المشهد الثقافي الوطني والدولي.

ولعل من شان هذه المرافق الثقافية النوعية، التي تتميز بجمالية خاصة وطراز معماري أصيل وفريد من نوعه، أن تشكل متنفسا حقيقيا لشباب الإقليم لإبراز طاقاتهم ومواهبهم الخلاقة، لاسيما وأنها جاءت في سياق الانتهاء من مشاريع تأهيل وتثمين عدد من المآثر والمواقع التاريخية بالإقليم (المزمة، بادس، القلعة الحمراء بأربعاء تاوريرت، قصبة اسنادة وقلعة طوريس).

وبالنسبة لإقليم العرائش، يبقى إنشاء المركب الثقافي “ليكسوس”، البنية الثقافية المتميزة، الذي يحتوي على قاعة كبرى للعروض بسعة تناهز 475 مقعدا وعلى مسرح بالهواء الطلق ومكتبة وسائطية ومعرض للفنون وقاعات للورشات المختلفة خطوة الى الأمام لدعم الدينامية الثقافية وتعزيز العرض الثقافي على مستوى الإقليم واستقطاب أكبر عدد من التظاهرات الثقافية الكبرى.

وتندرج هذه البنيات الثقافية الهامة في إطار سعي جهة طنجة-تطوان-الحسيمة الحثيث والمتواصل لتحسين جودة حياة الساكنة وتقوية دور الثقافة في تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، وفي ذات الوقت الإعداد لاحتضان مدينة البوغاز وغيرها تظاهرات رياضية وثقافية دولية ووطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى